بقلم د. جمال فياض ، استعادة الأصالة بأصوات الكبار
ينجح بعض المطربين في بداياتهم، باستعادة أغاني الزمن الذهبي بأصواتهم. ويتداول الجمهور هذه الأغاني من حفلات عامة تمّ تسجيلها خلسة، أو بشكل عابر، فتنتشر الأغاني الجميلة، بأصوات جميلة من جيل اليوم. فقد نجحت وانتشرت عشرات الأغاني القديمة، بأصوات شابة، بعد نشرها بعشرات السنين بأصوات أصحابها الأصليين. في سبعينات القرن الماضي، شاركت المطربة الشابة ماجدة الرومي في برنامج الهواة الشهير «ستديو الفن». وفي هذه المشاركة أعادت الحياة إلى أغنية ليلى مراد «أنا قلبي دليلي»، وأغنية أسمهان «يا طيور» (أغنيتان من ألحان محمد القصبجي). وعادت وغنّت بصوتها وبتوزيع جديد أغاني لحنها وغناها والدها الموسيقار الراحل حليم الرومي، مثل «سلونا»، «غنّي أحبك أن تغنّي». أيضاً، وبعدها بسنوات، أي في ثمانينات القرن الماضي، دأب المطرب الصاعد في حينه، جورج وسّوف على غناء أغلب أغاني أم كلثوم ووردة الجزائرية في حفلاته العامة.
كان مهندسو الصوت يسجّلون هذه الأغاني ويبيعونها لمحلات بيع الكاسيت، لتنتشر في اليوم التالي بين الجمهور، وكأنها أغانٍ جديدة للمطرب الشاب. أغلب جيل اليوم يعرف أغاني أم كلثوم ووردة الجزائرية وعبد الحليم حافظ بصوت جورج وسّوف. بعدها صار الوسوف نجماً شهيراً، ولقبوه بـ«سلطان الطرب»، لأنه كان يسلطن السامعين، ويذهب مع جمهوره إلى عصر السلطنة، فينسى أغانيه الخاصة، وينسى معه الجمهور أن ما يسمعه إنما هي أغاني أم كلثوم وعصرها. «لسّه فاكر» و«حيّرت قلبي» (السنباطي) و«سيرة الحب» و«بعيد عنك» (بليغ حمدي)، كلها أغانٍ، وعشرات غيرها أعاد لها الوسوف الحياة. ثم تابع يغنّي وردة، فوسّع شهرة أغانٍ لم تكن وصلت إلى لبنان وسوريا، مثل «ياما ليالي» (ألحان سيّد مكاوي) و«ما عندكش فكرة» (ألحان حلمي بكر) و«أكدب عليك» (ألحان محمد الموجي).
وعندما ظهر الوسّوف في حلقة شهيرة ونادرة من برنامج «الليل المفتوح» على شاشة تلفزيون المستقبل، غنّى «أي دمعة حزن لا» لعبد الحليم حافظ (ألحان بليغ حمدي)، فإذا في اليوم التالي كل المطربين يغنّون الأغنية التي لم تكن مشهورة كثيراً نسبة إلى باقي أغاني حليم. جاء بعده بسنوات مطربون كثر، وأعادوا الحياة لأغانٍ قديمة بأصواتهم، وحققوا من خلالها شهرة كبيرة. وصرنا نسمع أغاني مثل «وله يا وله» المعروفة باسم «يا بتاع الرمان» لعبد الغني السيّد (ألحان محمود الشريف). وأعيدت أغاني الفنانة المعتزلة عفاف راضي «هوى يا هوى» و«ردّوا السلام» (ألحان بليغ حمدي).
أيضاً في مسلسل «طريقي»، أعادت الفنانة شيرين عبد الوهاب تسجيل أغانٍ شهيرة وجميلة بصوتها، حيث كانت تقوم بدور مطربة صاعدة (في فترة الستينات من القرن الماضي) كانت تغنّي في المناسبات العامة، الأغاني الشهيرة والمنتشرة. فأدّت دورها كمطربة ناشئة، وغنّت أغاني نجاة الصغيرة وفايزة أحمد وغيرهما. كل هذه الأغاني الجميلة، التي يعيد النجوم المشاهير أداءها في البرامج والحفلات والمهرجانات، إنما تستعيد حياتها وهي تستحقّها طبعاً. ويبقى المستفيد من كل هذا، المنتج الذي يملك أغلب هذه الحقوق؟ وورثة الملحن والشاعر. لكن المستفيد الأكبر، هو الجمهور الذي يستمتع بما فاته سماعه في زمن قبل زمنه. أعيدوا تسجيل القديم، واذهبوا الآن إلى أرشيف الغناء العربي الجميل، ففيه كنوز لم نكتشفها بعد، ولا بد من تظهيرها من جديد.