إميلي نصرالله…رحيل الأدب المتزن البنفسجي خارج ضجيج ثقافة الاستهلاك
بقلم// جهاد أيوب
في رحيل إميلي نصرالله كسبها الموت، وخسرها الأدب والاتزان والطفولة والعفوية، وثقافة الوطن اتفقت مع نتاجها أو لم تتفق!
هي انشودة من براعم العطاء الباحث عن الهدوء الإنساني بكل جوانبه.
هي لغة متناسقة، منمقة، وفية لكونها الذي صنعته، ولعالمها الذي صدقناه فصادقنا صاحبته منذ البداية.
هي تلك الألوان التي كنا نبحث عنها حتى أدركنا انها بنفسجية الأدب.
هي طفلة شاركتنا المشاغبة على مقاعد دراسة طفولتنا، قرأنا لها، ورسمناها في ذاكرتنا دون أن نصدم، تعلمنا منها المحبة… كانت تشبهنا في صور الخير والبحث العذري قبل أن يشوهنا العمر حينما وضعناه في قارورة الزمن، وحينما كبرنا ذهبنا إلى عالم ادبي مغاير لكنها ظلت وفية لعالمها، واستمرينا بصداقتها وباحترامها دون أن نجرحها، ودون أن نصدم بها، ودون أن نزحزحها عن عرشها الصفصافي، والنهري، والبنفسجي الطبيعي…
لم نسمع أن البنت الجنوبية شكلاً ومضموناً وروحاً نافست شر الشهرة في الثقافة الرائجة، ولم يخبرنا أهل النوايا الشيطانية أنها ارتكبت فعل التنافس الشرس ضد غيرها في الجسم الادبي، ولم توصف هذا وذاك وتلك بكلمات نابية، والبعض ذهب إلى اعتبارها الشقيقة وآلام في ساحة مريضة، غالبية من يعمل فيها يعتبر نفسه هو الإله والآخر أجير وعبد، بينما إميلي كانت فراشة تتنقل في عالمها، وتختزل الزمان والامكنة، وترسم دوائر كثيفة غير مرئية علينا، ومرئية عليها كي لا تقع هي، وكي نقع فيها اذا اقتربنا منها ونحن نحمل السوء أو الطيب!
هذه ميزتها المتناقضة، وهذه روحها الحالمة بين مفرداتها في اللغة في القصة في الرواية في الكلمة في الصورة في الحضور!
إميلي نصرالله حافظت على أسلوبها في مخاطبة الكبار من خلال الصغار وتفوقت، وحافظت على عالمها في جعل الصغار كباراً، وفي جعل الكبار صغاراً ونجحت، وحافظت على الهدوء في الطرح والبوح والصدى والصوت في أدب التهذيب والرقي والسكون والعشق النظيف، والحب المنطقي، والمحبة المؤمنة بالآخر…
إميلي نصرالله نزلت الميدان في زمن صعوبة مشاركة المرأة في أي ميدان، شاركت دون أن تلتفت إلى قرارات المارة، بل حددت الهدف وانطلقت بثقة دون أن تخاف بل ونظراً لثقتها بما لديها خافوا منها…وكم من أسماء كانت تصنع الضجيج اختفت من حولها، بينما هي استمرت مع دموعها ونوافذها المفتوحة!
إميلي نصرالله سيفتقدك الحرف لأننا أمة لا تقرأ، وسيعربش الغبار على كتبك لأننا أمة من دون ذاكرة، وسيتفوق التجاهل لإنجازاتك المفيدة في أدب أصبح قلة أدب لأننا أمة لا تطرب لمزمار الحي!
إميلي نصرالله غداً يكتب من سيكتب، ويوضع النيشان على نعشك، وخبر صغير في نشرة مسائية هذا إذا تنبهوا فأخبار الساقطات والدعارة وكل البشاعة هي التي تتفوق، ويعطى لهن مساحات، أما خبرك أنت أيتها المتفوقة في زمن القحط النسائي سيقيدهم لآنهم يعيشون القحط الوجودي…
إيميلي نصر الله (Emily Nasrallah)… أديبة لبنانية، ولدت في 6 يوليو من عام 1931…جنوبية الروح والولادة والهوى من قرية الكفير بجنوب لبنان.نشرت
لها العديد من الروايات، والمجموعات القصصية للاطفال، وحصلت على جوائز عديدة منها جائزة الشّاعر سعيد عقل، وجائزة جبران خليل جبران من رابطة التّراث العربيّ في أوستراليا، وجائزة مؤسّسة( IBBY) العالميّة لكتب الاطفال على رواية “يوميّات هرّ”.