كيف تؤثر ملابسنا على إنتاجيتنا في العمل؟
المصدر : رصيف ٢٢
في الأمس، عُدّت السترة وربطات العنق من الأكسسوارات اليومية لحياة الموظفين. أما اليوم في ظل عصر السرعة تخلّى البعض عن “اللوك” الرسمي مقابل ملابس “كاجوال” أكثر عملية ومرونة.
بالتالي تغيّرت طبيعة الملابس، وبقي الأمر متروكا لأذواق الناس: بعض الأشخاص لا يعيرون انتباهاً لثيابهم ومدى تناسق الألوان والأقمشة، يستيقظون على عجلة من أمرهم، يفتحون الخزانة ويلتقطون أول قطعة ثياب تقع عليها أيديهم.
هؤلاء هم أصحاب “الجينز” التقليدي والـ”تي شيرت” البسيطة الذين يرفعون راية “التركيز على الشق المهني البحت” في وجه أصحاب “السترات الرسمية والملابس الكلاسيكية”، الذين يقفون أمام المرآة لساعات كي يتأكدوا أن هندامهم “على آخر طرز”، فلا يخرجون من منازلهم حتى يشعروا بالرضا التام عن شكلهم “من البابوج الى الطربوش”، وشعارهم المحبب “كُل ع ذوقك والبس على ذوق الناس”، معتبرين أن ملابسهم هي سرّ نجاحهم في العمل.
هل هناك علاقة بين اللباس وفرص النجاح في العمل؟ كيف تؤثر الملابس على نظرتنا لأنفسنا وتقييم الآخرين لنا؟
لباس أفضل، إنتاجية أكبر؟
“يمكن للملابس الرسمية أن تصنع العجائب وتؤثر على إنتاجية الموظف”، هذا ما أكده الباحث “مايكل كروس” في دراسة نشرها في العام 2014 في مجلة علم النفس التجريبي.
فقد أوضحت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، أن الدراسة شملت 128 رجلاً تراوح أعمارهم بين 18 و32 عاماً مع خلفيات متنوعة ومستويات دخل مختلفة وطلب منهم إجراء مفاوضات وهمية حول بيع مصنع افتراضي.
بهدف معرفة مدى تأثير الملابس على نتائج عملية البيع والشراء، تم تقسيم المشتركين على 3 مجموعات: مجموعة ترتدي البدلة وتنتعل الأحذية الرسمية، مجموعة ترتدي بنطلوناً رياضياً مع “تي شيرت” بيضاء وصنادل بلاستيكية في حين أن الأشخاص في المجموعة الثالثة هم من “المحايدين” الذين طلب منهم البقاء على الملابس التي جاؤوا بها ولعب دور البائع في جميع المفاوضات.
بعد أن منح كل المفاوضين قيمة سوقية عادلة للمصنع الافتراضي، إضافة الى معلومات أخرى من شأنها التأثير على قراراتهم في الأخذ والعطاء، اتضح أن الأشخاص الذين ارتدوا الملابس الرسمية كانوا أقل استعدادا للتنازل خلال عملية التفاوض، وبالتالي كسبوا ربحاً أعلى بقيمة المصنع.
أقوال
غردالشخص الذي يرتدي ملابس رسمية يبعث برسالة الى الآخرين مفادها أنه “ناجح ولديه ثقة كبيرة بما يقوم به”
شارك
غردمن المهم في المؤسسات الكبرى ارتداء ملابس رسمية أنيقة إنما ليس لحد إحراج سائر الموظفين في المكتب
وقد علّق البروفيسور “كروس” على هذه النتائج بالقول إنه خلال المواقف التنافسية، يتّضح أن الشخص الذي يرتدي ملابس رسمية يبعث برسالة الى الآخرين مفادها أنه “ناجح ولديه ثقة كبيرة بما يقوم به”، خاصة أنه يتلمّس مسبقاً احترام الطرف الثاني وتقديره له، الأمر الذي يزيده قوة وثقة بقدراته، في حين أن الشخص الذي يرتدي ملابس عادية يميل بسهولة الى التراجع والتنازل عن مواقفه في خضم المفاوضات المحتدمة.
الملابس تزيد جرعة الثقة بالنفس؟
تكشف الملابس الكثير من الأمور عنا وتشكل شخصيتنا وثقافتنا، فهي لا تؤثر فقط على نظرة الآخرين تجاهنا، إنما على نظرتنا الخاصة لأنفسنا وكيفية تعاطينا مع الآخرين وتفاعلنا مع الناس أجمع.
فقد كشفت دراسة نشرت العام الماضي في مجلة علم النفس الاجتماعي والشخصية، أن الأفراد الذين يرتدون ملابس رسمية ينخرطون بشكل أكبر في النشاطات والأعمال التي تتطلب نوعاً من التفكير المجرّد، مقارنة بأولئك الذين يرتدون ملابس عادية.
فقد طلب من 361 مشتركاً القيام ببعض المهمات، ليتبيّن في نهاية المطاف أن الأشخاص الذين ارتدوا ملابس رسمية كانوا أكثر قدرة على القيام بالنشاطات التي تتطلب نوعاً من التفكير الصرف أي أنهم ضمنياً شعروا وكأنهم في موقع “السلطة” وحاولوا لعب دور الشخص الذي يتبوأ منصباً مهماً كالمدير التنفيذي في الشركة.
وإثر النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة، توّجه المؤلف المشارك في الدراسة مايكل سليبيان الى الموظفين بالقول: “عندما تحتاجون الى التفكير بشكل خلّاق، تأكدوا أن الملابس الرسمية ستزيد من إنتاجيتكم”، هذا واعتبر “سيليبان” أن الأشخاص الذين يرتدون هذا النوع من الملابس يشعرون بالمزيد من القوة والثقة بالنفس، قائلاً:”عندما تشعرون بالقوة، لن يكون عليكم حينها التركيز على التفاصيل”.
إذاً لا يمكن تجاهل تأثير الملابس على الأداء الوظيفي، وهو أمر يثني عليه موقع “جوبات” الفرنسي، مؤكداً أنه كلما مال المرء الى ارتداء ملابس رسمية ازدادت ثقته بنفسه وتحسنت إنتاجيته في العمل خاصة بعد أن يلاحظ النظرة الإيجابية التي يكنّها الأشخاص له.
لكل وظيفة “كود ملابس” معيّن
اللباس هو جزء أساسي من عملية التواصل بين الناس، وبطبيعة الحال يختلف الهندام من مكان الى آخر ومن وظيفة الى أخرى، فلا يمكن مثلاً لمدرّب رياضة أن يرتدي سترة رسمية ويضع ربطة عنق. ولا يمكن لموظف البنك أن يقابل الزبائن بملابس رياضية كما أنه لا يسمح للطبيب بأن يستقبل المرضى وهو يرتدي “شورت” وإلا فلن يؤخذ على محمل الجد وستكون مصداقيته “على المحك”، وفق ما أكدته الدراسات.
فقد انكب العديد من الباحثين على دراسة تأثير ملابس الطبيب على تصورات المريض، وقد اتّضح أن المرضى لديهم ثقة أكبر بالطبيب الذي يرتدي “معطفاً أبيض” مقارنة بالأطباء الذين يرتدون قمصاناً عادية وربطة عنق، وأوضحت الدراسة أن الملابس غير الرسمية قد تعكس بعض الرحمة والود في تواصل الطبيب مع مرضاه إلا أنها “تهز” ثقة المريض بطبيبه، مشيرة الى أن ذلك يعود حتماً لصورة الطبيب النمطية المترسخة في أذهان الناس.
وسط هذه الدراسات والأبحاث قد نجد أنفسنا عاجزين عن اختيار اللباس المناسب في مكان العمل، إذ نقع أحياناً في فخ “الابتذال” أو “الإهمال”، من هنا يحاول خبراء الموضة تقديم عدة نصائح وأفكار قد تساعدنا في عملية اختيار اللباس الذي يتناسب مع طبيعة عملنا.
توضح خبيرة الأزياء “آني برومبرغ” أنه من المهم جداً في المؤسسات الكبرى ارتداء ملابس رسمية بدرجة عالية من الجودة والأناقة إنما ليس لحد إحراج سائر الموظفين في المكتب.
وتنصح “برومبرغ” النساء في العمل بارتداء تنورة/ بنطلون مع قميص دون إهمال السترة كونها “تمنح بعض القوة والسلطة” على حد قولها.
كذلك اعتبرت الخبيرة في عالم أزياء الرجال جولي راث أن ارتداء بدلة رسمية كاملة قد يؤثر بشكل إيجابي على إنتاجية الرجل ويجعله يفكر بطريقة مهنية، أما في حال استحالة إرتداء البدلة فمن المهم اذّاك اختيار ملابس أنيقة ذات جودة عالية، كما أن انتعال حذاء جيد، حتى ولو كان سنيكرز، ووضع ساعة أو أكسسوار جميل قد يوفيا بالغرض.