فنان عالمي بيننا في بيروت .. وفي عيون بيروت
مهتدي الحاج، ليس مجرّد عازف بيانو عادي. ولا هو مجرّد فنان موهوب بدأ يشق طريقه نحو النجاح والشهرة والتميّز. هو فنان عصامي موهوب بكل ما للكلمة من معنى. فجأة ، إكتشفناه فإذا حكايته مبهرة ومثيرة للفضول. اليوم أطلّ مهتدي عبر شاشة قناة اليوم-أوربت، فعزف وقابلته الزميلة تمار وروى لها و للمشاهدين حكايته ومشواره مع الموسيقى والبيانو … كما عزف أصعب المقطوعات وبمهارة ممتازة. وفي نصّ يحكي سيرته الذاتية، نقدّم لكم هذا الشاب اللبناني الطموح، والذي سيكون له شأنه العالمي قريباً … وتذكروا الإسم ، مهتدي الحاج.
بدأت العرف منذ صغري، ولم يكن لي من أستاذ سوى إحساسي المرهف. أما أهلي فاكتفوا بملاحظة مهاراتي في العزف وأني صاحب احساس عالي وأذن موسيقية مميزة وسرعة في حفظ المعزوفات.. ولكن لم يتنبه أحد إلى فكرة إدخالي الكونسرفتوار.. أو ضرورة تطوير مهاراتي!
فبقيت موهبتي مدفونة داخل غرفتي التي شهدت على ساعات التمرين التي لا تنتهي إلا بعد أن يكلّ الجسد أو أن يكلّ الليل من كلينا.
سنين الطفولة تنقضي وانا انتقل من معزوفة لأخرى والملفت ان الموسيقى الكلاسيكية وحدها شغفي، رغم ان بيئتي كانت تفتقر بشدة لهذه الموسيقى الراقية! بل قلائل هم محبيها.
كان الحزن رفيقي لجهة عدم إلحاقي بالكونسرفتوار، فمع مرور السنين حبي للموسيقى بات أكبر وأكثر قداسة ولكن مرارتي تكبر معه اذ هاجسي كان دخول المعاهد الموسيقية!
ولكن اجتمعت الظروف المادية والثقافية والإجتماعية … كلها ضدي للحؤول دون تحقيق الأمنية! خاصة وأني لم أكن من التلاميذ الأوائل بل على العكس كنت مشاغباً بإمتياز في المدرسة!
فبقيت أسير غرفتي، أعزف بدون مساعدة أحد، وأبتكر تقنيات وطرق للعزف خاصة بي.. علما أن ما بين يدي كان عبارة عن أورغ صغير، وليس بيانو! وهنا ولد حلمي الأكبر أن يصبح لدي بيانو حقيقي قادر على ترجمة ما بداخلي من أحاسيس بل براكين!
عشت الطفولة والمراهقة من سن الحادية عشر وحتى التاسعة عشر وفِي قلبي جنون موسيقي كما غصة لعدم دخول الكونسرفتوار وتدربي على يد أساتذة!
ولَم أشعر بان الزمن بدأ يرأف بحالي إلى ان ابتسم لي يوم أشترت لي أمي بيانو إحترافي كوني تخرجت من المدرسة بنجاح غير متوقع! وهكذا تحقق حلم حياتي بان أمتلك بيانو يحاكي إحساسي وشغفي اللامتناهي! وقادر على تلبية مكنون الذات المشبع بالموسيقى!
أما المرة الأولى التي التقيت فيها طالب كونسرفتوار، كانت في سن التاسعة عشر في الجامعة اللبنانية! كان خريج من المرحلة المتقدمة. وقد ذهل بمستوى عَزْفِي ولكوني وصلت إلى هذا المستوى العالي دون مساعدة أحد.. لذلك أصر ان أتعرف على أستاذه باعتبار انه لم ير مثيل لعَزْفِي في لبنان. ولا يغيب عن ذاكرتي قوله: ” انت معجزة” ..
وهكذا أخذت بنصيحته وبعد لقائي بأستاذه، ساعدني بالدخول إلى المعهد الموسيقي في الأنطونية! حيث وافقوا فورا على طلب دخولي وحصلت على شهادة الباكالوريوس في البيانو بمعدل ٩٥/١٠٠ عام ٢٠٠٨ بمدة شهرين فقط على دخولي المعهد! في حين ان هكذا شهادة تتطلب أقله ٨ سنوات من التعليم!
وانحفرت تعليقات الأساتذة والمسؤولين حينها في ذهني ان لدي موهبة مميزة ومنها:” اسمك سوف يَضِجُ في العالم بأسره”
كنت أتوق للتفرغ للبيانو في حياتي ! فقط البيانو ولكن بضغط من العائلة كنت اجد نفسي مجبرا على متابعة اختصاصي في الجامعة! فالكل يحسم موقفه تجاه الفن والموسيقى بأنها لا تطعم الخبز ولا تؤمن عيش رغيد! خاصة وان الموسيقى التي أعزفها كلاسيكية وهي أبعد عن قلوب الناس من سواها!
لا أنكر أني دخلت مرارا في حالات اكتآب شديد واستمريت مع ذلك بتطوير نفسي بجهد فردي!
بعد تخرجي من الجامعة بشهادة في هندسة الكومبيوتر، الإختصاص الذي أرغمت عليه! عزمت أن ادخل من جديد إلى الكونسرفتوار الوطني، وهنا كانت المفاجاة بالمستوى العالي الإحترافي الذي كنت وصلت إليه! وعلى مسامعي دوما عبارات التقدير والإعجاب وان عَزْفِي يحاكي العالمية! واستوقفتني مرارا جملة: ” في لبنان لا مثيل لك! يجب ان تذهب
للخارج لتبهر العالم بعزفك!”
وحقًّا فعلت، بدأت أعبر الحدود وفِي جعبتي حلم كبير وشغف لا يعرف حدود!
وابتدأ المشوار العالمي في تركيا، حيث شاركت في حفل ضخم! كما والتقيت بالعازفة العالمية Idel Biret، فعزفت أمامها وكانت معجبة جدا بعزفي! وإنها لشهادة غالية ..
وبعدها سافرت وبجهد فردي أيضا الى روسيا، حيث عزفت في موسكو مع اوركسترا بقيادة yuri lukyanin الذي أعجب بأدائي وخط لي رسالة توصية وتقدير مرفقة أدناه!
كان لروسيا حصة ثانية! فعدت إليها ثانية واشتركت هذه المرة في تصفيات Impa لأحصل بذلك على فرصة العزف في كونسيرت برفقة الأوركسترا وبقيادة المايسترو العالمي الشهير vladimir ponkin وسط موسكو، في mosconcert hall المعروف باستضافته للموسيقيين العالميين الذين يلامسون الاحتراف!
وأخيرا وليس آخرا كانت المحطة الابرز في مساري الفني، مع رحلتي الأخيرة إلى هنغاريا حيث حصدت المركز الأول عالميا”! في المباراة التي أقيمت في بودابست وضمت محترفي العزف من مختلف أنحاء العالم! فوزي بالمركز الاول منحني الفرصة للعزف في حفل ضخم في قصر الدانوب وسط العاصمة هنغاريا، أمام جمهور عريق مع اوركسترا الدنوب الفيلهارمونية بقيادة المايسترو Andreas DEak .
أما المعزوفة فكانت للمؤلف الروسي Rachmaninov piano concerto 3 .. وهي تصنف من اصعب المقطوعات التي كتبت للبيانو في تاريخ الموسيقى.
فالمجازفة كانت على قدر التوقعات لنحصد معها الأولية عالمياً ولنهديها للبنان أيقونة المجد واللبنانيين الذين بات لهم اليوم بصمة راقية في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية!