الناقد الفني د.جمال فياض قال كلمته بالاغنية الجديدة . هل كسب الموسيقار طلال الرهان بصوت نجاة؟
في العدد الجديد من مجلة “زهرة الخليج” الإماراتية، نشر الناقد الفني اللبناني د. جمال فياض مقالة نقدية خصصها لأغنية الفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة الجديدة “كل الكلام”. وهي الأغنية التي أعادتها الى الغناء بعد سنوات طويلة من الإعتزال. وقد كتب جمال فياض رأيه في الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، ولحنها الموسيقار طلال. وقد أشار فياض في مقالته وهو الناقد المحترف الذي يحسب الفنانون لقلمه ورأيه حساباً خاصاً، الى أنه عندما سمع عن هذا المشروع لم يكن يحبّذ أن تعود نجاة الصغيرة عن قرارها بالإبتعاد عن الغناء. وأكّد أنه سبق ونشر هذا الرأي في عدد سابق من مجلة “زهرة الخليج”. وقال أنه شكّك بما يمكن لهذا اللحن أن يضيفه الى رصيد نجاة الكبير والضخم مع كبار الملحنين، أمثال محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل. وقال أنه تصوّر وكتب في مقالته السابقة، أن لحن طلال قد يكون محاولة لإعادة نجاة الى الغناء بشكل ربما لا يناسبها. وأن طلال الذي نجح في الأغاني الخليجية التي لحنها، قد لا يكون قادراً تماماً على تقديم المناسب لنجاة، وهي التي في رصيدها إرث غنائي من الصعب مقاربته. لكن فياض الذي سبق وأعرب سابقاً عن عدم إعجابه بطريقة تنفيذ ألبوم أحلام الموسيقية والذي لحنه لها الموسيقار طلال بالكامل ، في حين قيّم ألبوم عبدالله الرويشد (من ألحان طلال أيضاً) بشكل إيجابي جداً، عاد ليثني على لحن أغنية نجاة مشيداً باللحن والموسيقار الذي استطاع أن يكسب التحدي الكبير، بأن وضع لحنه بصوت نجاة الى جانب ألحان الكبار السابقين وبجدارة. وشدّد الناقد فياض الذي يعرف الجميع أنه لا يجامل أحداً برأيه الموسيقي، والذي يتمتّع بصدق ومصداقية معروفة عنه، بالإضافة الى خبرته الموسيقية الكبيرة، شدّد على أن طلال كسب رهانه والتحدّي، واستحق فعلاً بلحنه الجميل أن تعود نجاة عن قرارها، لتكمل الكلام ، “كل الكلام”.
جدير بالذكر أن الموسيقار طلال هو ملحن سعودي، لحّن لعشرات المطربين الكبار، لكنه إن كان معروفاً بألحانه وإسمه، فهو غير معروف بالصورة. وله رصيد كبير من النجاحات. وتشهد له ألحانه لمحمد عبده وعبدالله الرويشد وأحلام وغيرهم. وتأتي اليوم القراءة النقدية الفنية من الناقد اللبناني جمال فياض، في مجلة “زهرة الخليج” إحدى أقوى المجلات العربية، لتشير بالتفاصيل الى نقاط القوة في لحنه لنجاة، ومكامن النجاح في أغنية، بدأت الإذاعات العربية تبثها بنجاح وإقبال.
نص مقالة د. جمال فياض في مجلة “زهرة الخليج” الإماراتية عن أغنية الفنانة نجاة الصغيرة الجديدة “كل الكلام” :
نجاة وطلال … وآخر كلام !
منذ سنوات وأنا أسمع عن مشروع أغنية جديدة للفنانة الكبيرة نجاة، كتبها لها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، ويعمل على تلحينها الموسيقار طلال. وأذكر أنّي منذ سنة تقريباً كتبت على هذه الصفحة من “زهرة الخليج” أدعو نجاة لعدم خوض هذه التجربة من جديد، بعد إعتزالها لسنوات. ويومها، قلت أن عودتها لن تضيف لها شيئاً جديداً على مسيرتها. وهذه العودة، ما الذي ستأتي به لرصيدها من إضافات؟ هل سيقدّم لها طلال، أكثر مما قدمه لها بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب؟ هل ستضيف أغنية أخرى، شيئاً يستحق أن تعود به عن قرارها بالإعتزال والبُعد، بعدما أنهكت الأيام أوتارها وإحساسها الجميل؟ ثم هل يجوز أن تخوض مغامرة ما بعد الإعتزال بلحن، يعلم الله ما الذي يخطط له الملحن؟ فالموسيقار الجميل، نعرف ألحانه في الخليجي، وبعض المصري الجميل، ولربما يخطط ليقدّم لها شيئاً يعتقد أنه “سيجدّد شبابها”. وهل يجوز أن نوافقها على المغامرة؟ نجاة تاريخ، ولم يعد هناك من يشاركها هذا التاريخ، فاستراحت. لماذا يأتي بعد الإستراحة النهائية من يلاعب تاريخها؟ وجاءت اللحظة، وسمعناها، أغنية “كل الكلام” من كلمات “الخال” وألحان طلال. وأحبّ الموزّع يحي الموجي، وهو إبن الكبير محمد الموجي، أن يستفيد من الفرصة، أن يطبخ النغمة، بأدوات كل الجمهور الكبير يحبها. فجعل اللحن طويلاً، وأخذ راحته بالصولوهات والوتريات وآلات النقر والموسيقى التصويرية الجميلة، حتى تدخل نجاة بالغناء، بلحن أحلى من المتوقّع. وبدا أن طلال إستمع طويلاً لتاريخ وأرشيف نجاة، فلم يخرجها من ثوبها الغنائي الجميل، بل هو أضاف عليه جملة من هنا، ولحناً وموسيقى من هناك، ثم إحساساً غنائياً ممتعاً. حتى حسبناها أغنية مستمدّة من روح محمد عبد الوهاب ومزيج من بليغ حمدي، وأحياناً فريد الأطرش وكمال الطويل ومحمد الموجي. هذا خليط سحري جميل، له خصوصية جميلة جداً. كأنه تناغم بين ملحن مليء بالأحساس، وموزّع ما زالت في عروقه روح الزمن الجميل. أليس يحي الموجي إبن الكبير محمد الموجي؟ الأغنية مسجّلة بطبقة متوسّطة، للمزيد من الإحساس، وبسيطة وناعمة، للمزيد من الرقّة في الإستماع. وقد فصّل طلال اللحن تفصيلاً فيه من الذكاء في الصياغة، بقدر ما فيه من الموهبة. هل أبالغ إن قلت أنها أغنية ساحرة؟ أم تراني سأبالغ إن قلت أنها أغنية تحتل بسهولة مرتبة متقدمة من الأغاني التي سجلتها نجاة؟ عشر دقائق كاملة، لا تترك لك مجالاً للملل، بل فيها الإحساس الغنائي والتنوّع في المقامات الموسيقية، ما يشعل القلب عشقاً. لم يبتعد التوزيع الموسيقي عن توزيع ذاك الزمن الجميل، في السبعينات من القرن الماضي. أغنية تعود بنا بلحنها وكلامها وتوزيعها وأداء نجاة، الى الزمن الذهبي. طلال ملحن قدير، إستطاع أن يكسب التحدّي الكبير، والمحفوف بالمخاطر. التعامل مع نجاة الصغيرة، أمر ليس بسيطاً على الإطلاق. كيف سيقنعنا أن نستمع الى صوت نجاة وإحساسها بما لم نعتاده منها؟ هو بلمسة ساحر موهوب، وبدون أي تكلّف أو إرهاق للأحاسيس، وبانسيابية شديدة، أخذنا الى ذاك الزمن. الى حيث الكلام لا ينتهي عن الإبداع اللحني والموسيقي. الى حيث نجاة، هي نجاة، بلا تغيير أو تعديل. هنا، وكما نحبها، وحسب تفصيل الموديل المطلوب للثوب الذي نحب، تكون غنّت نجاة من كلمات عبد الرحمن الأبنودي، وألحان طلال … وخلص الكلام، “كل الكلام”!